30‏/12‏/2012

نسابه، لوستها، الخ...

في منطقة دلس وغيرها من المدن حول العاصمة، تأثير الأمازيغية واضح في المفردات المتعلقة بعائلة الزوج والزوجة. ولكن هذا التأثير غير متساوٍ بين الطرفين. فالرجل يسمي كل أهل الزوجة بأسماء عربية: نسيبهُ ونسيبتهُ. الزوجة لما تتكلم عن والدي الزوج تسميهما بأسماء عربية في الشكل وأمازيغية في المحتوى: شيخها (حموها بالفصحى) وعجوزتها (حماتها)، في حين يقال لهما بالقبائلية "أمغار" (أي شيخ) و"ثامغارث" (أي عجوز). ولكن لما تتحدث عن نساء جيلها فلا تستعمل إلا مفردات أمازيغية بحتة: لوستها (أخت الزوج، سلفتها) و نوطتها (زوجة أخي الزوج، عديلتها)، كما يقال بالقبائلية "ثالوسْث" و"ثانوط". فالتأثير الأمازيغي أكثر من جهة النساء، وذلك طبيعي لأن العربية انتشرت عموما بتعلم الرجال إياها في المدن والأسواق، ولرحلات الرجال العرب من المشرق.

ذالك في حال المدن. ولكن نتوقع أن الأمر يختلف في البوادي، لأن بعض البدو أتوا من المشرق مع أزواجهم وأولادهم كما فعل بنو هلال. ولذلك نتوقع أن تأثير الأمازيغية في هذا المجال يكون أقل في لهجات البدو وأحفادهم مِن هو في لهجات المدن. وأنتظر من القارئ أن يقارن هذه المفردات في لهجته وأن يكتب تعليقا إذا أراد...

24‏/9‏/2012

القرمود

موضوعنا اليوم القرمود، الذي لطالما غطى أسقف المنازل غير أنه نقص كثيرا في الآونة الأخيرة، ولم نعد نرى سوى "الدالات" (dalle) تنتظر حتى يكمل البناء في وقت غير معلوم...

أصل الكلمة واضح، فهي تغيير بسيط لكلمة عربية، القرميد، بنفس المعنى. ولكن يمكن أن نتبع تطورها أبعد من ذلك، فحتى كاتب لسان العرب قارنها بكلمة يونانية حين ذكر أنها " بالروميّةِ قِرْمِيدَي". ومقارنته صحيحة، فإن الكلمة اليونانية القديمة هي κεραμίς كِرَمِيس (بالجر حسب قواعد الصرف اليوناني κεραμίδι كِرَمِيدِي). كان اليونانيون يغطون أسقفهم بالقرميد حتى في عصر الفلاسفة أفلاطون وأرسطو اللذين ذكرا هذه الكلمة.

ولم تدخل العريبة فقط، فهذه الكلمة من الجذر اليوناني κέραμος كِيرَمُس، من نفس الجذر جاءت كلمة céramique بالفرنسية وceramic بالإنجليزية (الفخار).


11‏/9‏/2012

طاقة، شرجم، روشن، شباك

تعلمنا في المدرسة أن نقول النافذة بدل الطاقة أو التاقة، ولكن لم يقل لنا معلمنا أن الطاقة كلمة عربية قديمة. والأمازيغ القبائل هم الذين حافظوا على صيغتها العربية الأصلية: الطاق (ṭṭaq).

"الطاق" كان معناها الأصلي القوس. فنجد في قاموس لسان العرب "الطاق عقد البناء حيث كان" والمقصود بعقد هنا هو القوس، وجاء في نفس القاموس "وتَعَقَّدَ القوْسُ في السماء إِذا صار كأَنه عَقْد مَبْنّي". ونجد هذا المعنى مثلا في كتاب أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار للأزرقي المتوفى سنة 858 م: "باب بني المنصور وهو طاق واحد" و"وتحت السقف ستة وثلاثون طاقا، يؤخذ منها الماء من الحوض، طول كل طاق عشرون إصبعا وعرضه أربعة عشر إصبعا". وجذرها اللغوي طوق لأن القوس نصف دائري الشكل.

شملت كلمة "الطاق" كل نافذة على شكل قوس، ولكثرة مثل هذا النوع من النوافذ، انتقلت الكلمة شيئا فشيئا إلى أن شملت كل نافذة مهما كان شكلها. ولا شك أن ذلك حدث قبل استيلاء النورمان على جزيرة مالطة (التي كانت تابعة للعرب) في 1091 م، لأنها موجودة في المالطية التي هي لهجة عربية انفصلت عن العالم العربي في تلك السنة، حيث تسمى النافذة عندهم tieqa. ويؤكد ذلك بعض الكتب العربية. فنجد مثلا في كتاب رحلة ابن جبير الأندلسي المتوفى سنة 1217 م يحكي عن مدرسة: "جداره القبلي مفتح كله بيوتا وغرفا ولها طيقان يتصل بعضعا ببعض، وقد امتد بطول الجدار عريش كرم مثمر عنبا، فحصل لكل طاق من تلك الطيقان قسطها من ذلك العنب متدليا أمامها، فيمد الساكن يده ويجتنيه متكئا دون كلفة ولا مشقة."

حتى في عصرنا، هذا الاستعمال موجود خارج المغرب العربي الكبير، فتستعمل في اليمن وفي الحجاز بنفس المعنى، وحتى في الشام والسودان بمعنى النافذة الصغيرة، كما دخلت حتى في الفارسية.

ولنقارن المفردات المستعملة حول الجزائر.

الشرجم هي الكلمة المغربية، وصح أصلا للنوافذ المربعة المقسومة على أربعة. ففي لهجة الأندلس العربية كان "الشرجب" النافذة أو الدرابزين، واقترح الأستاذ كوريينتي أنه من چهار چوب بالفارسية أي أربعة عيدان. ويمكن أن نفكر أيضا في چهار جام أي أربع زجاجات.

أما في ليبيا يقال للنافذة الروشن، وهي كلمة فارسية معناها مضيء. دخلت للعربية قديما حيث نجدها حتى في لسان العرب: الروشن الكوة (أي النافذة).

ولا حاجة لي أن أفسر أصل الكلمة التونسية: الشبّاك.

4‏/9‏/2012

كابوية، ڤنڤة

الكابوية في أكثر أنحاء الجزائر هو القرعة الحمراء. واضح من شكل هذه الكلمة أن أصلها ليس عربي. وفي الواقع يبدو أنها من الكلمات القليلة جدا التي دخلت الدارجة من الجنوب، عن طريق التجارة الصحراوية. أصلها كلمة بلغة الهوسا: kabewa كَبيوا. للذكر، الهوسا هي أكبر مجموعة بشرية تقطن شمال نيجيريا. أكثرهم مسلمون منذ قرون. في لغتهم مفردات كثيرة دخلت من العربية، ولا يزال بعضهم يكتبون لغتهم بالحروف العربية. كانت مدن الهوسا مراكز مهمة للتجارة عبر الصحراء، وأصبحت مصدر العبيد خاصة عقب حروب القرن التاسع عشر.

على غرار الكابوية، هناك أسماء بعض الآلات الموسيقية التي يستعملها "الڤناوة" أصلها من الهوسا، منها الڤنڤة اللتي هي نوع من الطبل (ganga).


24‏/7‏/2012

بوراك، بريك

جاء رمضان وحان وقت البوراك. فمن أين هذه الكلمة الغريبة؟

ليس البوراك خاص بالجزائر فقط. ففي تونس (كما في الجزائر) أكلة تشبهه إلا في الحجم وهي البريك. بينما في اسطنبول يأكلون börek، وفي بوسنة يطبخونها على شكل حلزوني ويسمونها burek، وفي اليونان أطلقوا اسم μπουρέκι (بوراكي) على فطيرة تملأ مقلى كاملا، وكذلك "بورک" في أيران.

وكلمة börek (بورک) التركية هي أصل بوراك و بريك عندنا، دخلت مع الدولة العثمانية مثل الدولمة والبقلاوة. والأرجح أن الترك أخذوها من الفارسية حسب قاموس نشانيان.


28‏/4‏/2012

زاوالي

الفقير المسكين بالدارجة هو الزاوالي، بتفخيم الزاي، كما جاء في الأغنية الشعبية المشهورة "يا الرايح": وعلاش قلبك حزين وعلاش هاكذا كي الزاوالي..." وهي من الكلمات التي جاءتنا من التركية عندما دخلت الجزائر في الخلافة العثمانية، حيث يسمون الفقير المسكين zavallı وبالحروف العربية كما كانت تكتب في الدولة العثمانية زواللو. ولكن من يبحث في قوامس التركية عن أصلها يجد أنها تتكون من -lı أي ياء النسبة و zeval أي الزوال (الذَّهاب والاسْتِحالة والاضْمِحْلال)، وهي كلمة عربية دخلت في التركية!

22‏/4‏/2012

زرودية، سفنارية، خيزو

للجزر ثلاثة أسماء ذات انتشار واسع في اللهجات المغاربية: الزرودية في الجزائر، السفنّارية أو السنّاريةفي ليبيا وتونس، وخيزّو في المغرب.

ويظهر من شكل كلمة "زرودية" أنها نسبة إلى مكان اسمه زَرُود، حيث كان في جنوب تونس مدينة تحمل هذا الاسم، ذكرها الجغرافي ال الإدريسي في كتابه نزهة المشتاق في اختراق الآفاق في القرن الثاني عشر الميلادي. واقترح الباحث الفرنسي جورج كولان أن الزرودية سميت على مدينة زرود لكثرة الجزر فيها، فذكر أن أهل المنطقة إلى الآن يسمون الجزر "الغلّة" فحسب، وذلك يدل على أنه كان أهم منتوجاتهم الزراعية.

وأما السفنّارية فهو اسم أقدم، نجده حتى في ما تبقّى من اللهجة العربية الأندلسية حيث سمي الاسفنّارية، ويقال أنها من كلمتين باليونانية: σταφυλινη αγρια (سْتَفِليني اغريا) أي الجزر البري. وبالمناسبة "اسفنّارية" هي أصل اسم الجزر بالإسبانيـة zanahoria.

وأما خيزّو فلم أجد أصلها. لعلها أخِذت من الأمازيغية، ولكن لا وجود لها في الأمازيغية إلا في المغرب وعلى حدودها، وحرف الخاء نادر في المفردات الأمازيغية الأصيلة.