31‏/7‏/2013

البونيقية في الدارجة؟ 1

من ثمن ميات سنة قبل الميلاد بداو الفينيقيين يجونا من لبنان ويبنو مُدُن عالبحر، المشهورة فيهم قرطاج. كانو طبعًا يهدرو باللوغة نتاعهم، الفينيقية، اللي هي لوغة سامية كنعانية تشبّه شوية للعربية و تشبّه بزّاف للعبرية. كي طوّلو في بلدان المغرب تبدّلت شوية شوية، واللهجة لي كانو يهدروها في بلدان المغرب نسمّوها البونيقية باش نفرّقو بينها وبين اللهجة تاع لبنان. حتّى بعد ما ريّبو قرطاج مازال قعدو يهدرو البونيقية في الجزاير وفي ليبيا، و أغوستين يذكر شوية كلمات بونيقية ويقول بللي كانو بزّاف صحاب الشرق الجزايري يهدرو بيها.

كاين واحد الباحث أسمو عبدو الإمام اقترح بللي أصل الدارجة نتاعنا هو البونيقية: "Certes, le punique évolue sous les formes de ce que nous appelons le maghribi. De même que le libyque évolue sous les formes du berbère." باش يبيّن هاذا يعطينا ليستة طويلة تاع كلمات بونيقية اللي تشبّه لكلمات تاع الدارجة (ص. 36)، ترجمتها هنايا:

بونيقيةمغربية (دارجة)عربية فصحى
أبأب (? بابا)أب
أدمأدم (? بنادم)إنسان (ابن آدم)
أمأم (? يمّا / امّا)أم
أم... أمأم... أم (? إمّا... إمّا)إمّا... إمّا
أخ (؟ أح)أخ (? خو)أخ
أماناأمانةأمانة
أنكأناأنا
أردز (؟ أرص)أرضأرض
ها هوها هوها هو
كلكلكل
بعدبعدبعد / لمّا
اسألاسأل (؟ سوّل)اسأل
ببب
بنبنبن
بنيبنيإبنِ (بنا يبني)
بنت (؟ بت)بنتبنت
بركباركبارك
بيتبيتبيت
بينبيّنبيّن
حرشحرشحرث، سوّى
عدعادمثل، مرّة أخرى
عبدعبدعبد (خادم)
علعلعلى
علمعلمأبد (؟)
عمعامّ (؟)عامّة، شعب
فعلفعلفعل
جبلجبلإقليم، جبل
هنأهناهناء
هنيهني (؟ هنا)هنا
حييمحياةحياة
كنكان / كاينكان
كاين في البونيقية بزّاف الكلمات لي موجودين في العربية، علاجال فيزوج من أصل واحد، وبزّاف الكلمات لي ماكاشهم في العربية، علاجال لبنان بعيدة على الجزيرة العربية. إيمّالة كاين زوج احتمالات، كل واحد بالنتائج نتاوعه:
  • إيلا كانت الدارجة أصلها بونيقية، نلقاو فيها كلمات بونيقية اللي تشبّه للعربية وثاني كلمات بونيقية لي ماتشبّهش للعربية.
  • إيلا كانت الدارجة أصلها عربية، نلقاو فيها كلمات عربية تشبّه للبونيقية، بصّح مانلقاوش فيها كلمات بونيقية لي ماتشبّهش للعربية، غير بالاك مرّة في زمان إيلا دخلت فيها كيما دخلو كلمات أمازيغية ولاّ تركية.
أوا كي نترجمو الليستة هاكذا من الفرنسية للعربية، الشي اللوّل لي يبان هو بللي قريب كل كلمة بونيقية موجودة في الدارجة موجودة في الفصحى ثاني، وبزّاف منهم يشبّهو للفصحى كثر من الدارجة! إيلا كان الدارجة أصله 100% عربية مازال قادر يكونو موجودين هاذو الكلمات، و بالاك تلقاهم كاملين في اللهجة المصرية ولاّ العراقية ولاّ. غير الكلمات البونيقيج اللي تشبّه للدارجة كثر من الفصحى هوما اللي نقدرو نفهمو بيهم إيلا كاين تأثير بونيقي في الدارجة:
بونيقيةمغربية (دارجة)عربية فصحى
أم... أمأم... أم (? إمّا... إمّا)إمّا... إمّا
حرشحرشحرث، سوّى
عدعادمثل، مرّة أخرى
علعلعلى
علمعالمأبد (؟)
هنيهني (؟ هنايا)هنا
أنا عمري ماسمعْت واحد يقول "أم" (إمّا)، واللي سمعها يقوللي! على كل حال الفينيقيين ماكانوش يكتبو الحركات، ف ماشي باين بللي هذي تكون أقرب للدارجة يالوكان يقولو "أم". "عل" بالدارجة ماشي كلمة واحدة، هي نتيجة على + ال (التعريف): نقولو عل باب (على الباب) بالتعريف، و على باب بالنكرة. والبونيقية ماكانش فيها ال التعريف، صافي هاذي المقارنة ماتمشيش. عالم معناه العالم، الدنيا، كيما في الفصحى؛ عمري ما سمعت واحد يقولها بمعنى الأبد.

حرّش بالدارجة من كلمة حرش، اللي هي أحرش بالفصحى: قال الخليل بن أحمد: "والأحرش من الدنانير ما فيه حشونة لجِدَّته... والضَبُّ أحرَشُ: خَشِنُ الجِلدِ كأنَّه مُحَزَّز." وهي بعيدة في المعنى على كلمة حرش بالبونيقية لي معناه "حرث". الحاصون هاذ المقارنة ماتقنّعش.

"عاد" موجود حتّى في اللهجة اليمنية، حيث يقولون عاده "مازاله"، عادهم "مازالهم"، الخ، والفينيقيين عمرهم ما قعدو في اليمن، الحاصون هاذا ثاني مايقنّعش.

بقى غير "هني". هاذا بالاك كلام الشرق، أنا سمعت غير "هنا" و"هنايا". "هنايا" هي "هنا" زائد "يا" تاع المتكلم، كيما نقولو ثاني "أنايا"، "انتايا"، هاذايا"، وهاذي الظاهرة نقدرو نفسّروها بلا ما ندخّلو البونيقية. إيلا كاين لي يقولو "هني" لازم نشوفو معاهم إيلا عندهم الإمالة في كلمات أخرين ولاّ في هاذي الكلمة برْك باش نفهمو إيلا كان العلاقة معقولة.

الحاصون حتّى كلمة في هاذ الليستة ما تبيّن حتّى بللي البونيقية أثّرت على الدارجة، إمّالة كيفاش تقدر تقنّعنا بللي الدارجة أصلها بونيقية؟ اللي يقول بللي الدارجة أصلها بونيقية كيما اللي يحاول يقول بللي الفرنصية أصلها غالية (gaulois). بالاك مازال كانو ناس في الشرق يهدرو بالبونيقية نهار جاو العرب، بصّح إيلا كانو مازال كاينين، يظهر بللي تعلّمو العربية ونساو البونيقية كامل.

بصّح كاين كلمة في الدارجة ولاّ زوج لي قادرة تكون دخلت لعندنا من البونيقية، يالوكان بالاك مادخلتش ديراكت. والمرّة الجايّة ان شا الله نناقشوهم.

24‏/7‏/2013

اكليل، أزير، سجرة مريم٬ ... ؟

ما اسم هذا النبات؟

في العاصمة، يسمّى الإكليل، وهو الإكليل بالفصحى. وحتى في المالطية التي هي أصلا لهجة عربية مغاربية يقال klin بقلب اللام نونا. والإكليل أصلا كما وصفه الخليل بن أحمد "شبه عصّابة مزينة بالجواهر". ويعتبر أن أصلها الكلمة السريانية ܟܠܝܠܐ "كْليلا" بنفس المعنى، والكلمة السريانية يعتبر أنها من الأكادية أي البابلية: كِليلُ. ولا نجد معنى النبات إلا في العربية، على عكس معنى العصّابة، فيبدو أن معنى النبات أضيفت في العربية. ويتضح لنا العلاقة بين فكرتي العصّابة والنبات لما نذكر أن الإكليل يمكن أن يكون من الأزهار والأعشاب، ومثلا لا يزال رجال الدين المندائية أي الصابئية في العراق يلبسون إكليلا ("كليلا") من نبات الآس، فلعل البعض كانوا يفضلون أكاليل من نبات الإكليل. ومن العربية دخل هذا الاسم في البرتغالية، حيث يقولون alecrim.

أما في غرب الجزائر فيقال لها "أزير" أو "يازير"، وهذا من الكلمة الأمازيغية: أزير بزناتية الغرب والربفية، أزيّر بالشاوية، أمزّير بالقبائلية، تامزّريا بشلحة المغرب. ويذكر كاتب "عمدة الطبيب" في القرن الثاني عشر الميلادي أن "إكليل الجبل... وبالبربرية أزير". ولقد اكتشف الباحث الإسباني Carles Murcia أن هذه الكلمة سجلها كاتب باللاتينية بكتاب De herbarum virtutibus في القرن الخامس الميلادي حيث قال: "herba rosmarinum : a Graecis dicitur libanotis, alii icteritis, Itali rosmarinum, Punici zibbir" (عشب الإكليل: يسمّيها اليونانيون "ليبانوطيس"، والإيطاليون "روسمارينوم" والبونيقيون أي أهل قرطاج "زيبّير".) والباء كثيرا ما حذفت في الأمازيغية إلا في بعض لهجات ليبيا. ودخلت هذه الكلمة قديما في لهجة جزيرة سردينيا في إيطاليا، حيث يقال tsippiri. فلا شك أن هذا أقدم الأسماء المستعملة لهذا النبات في الجزائر.

وأما في مدينة دلس يطلق على هذا النبات اسم آخر: سجرة مريم. رأينا سابقا أن اسمه باللاتينية rosmarinum، ومعناه حرفيا "الندى البحري"، لأنه ينبت كثيرا قرب البحر. ومنه romarin بالفرنسية، و romero بالإسبانية، الخ. وفي بعض المناطق شبّه الناس marinum (بحري) باسم مريم، فتخيلوا علاقة بين هذا النبات وبين مريم أم عيسى عليه السلام. لذلك يقول الإنجليز rosemary (حرفيا "ورد مريم".) ونجد في الأندلس أسطورا شعبيا أن مريم لما كانت تغسل ثياب عيسى عليه السلام وضعتها على الإكليل فأصبح أزهاره أزرق، كما يذكر في أغنية شعبية معروفة. فلعل هذه التسمية من بقايا هجرة المورسكيين من الأندلس إلى شواطئ الجزائر. غير أنه يبدو أن اسم "سجرة مريم" يطلق على نباتات أخرى في أنحاء أخرى، ولذلك يبغي لنا أن نجمع معلومات أكثر لنتأكد على صحة هذا التفسير.

إذن يمكن أن نقول إن كل من الأسماء الثلاثة المستعملة لهذه النبتة في الجزائر يعكس عنصرا من عناصر تراثنا: أزير من التراث الأمازيغي، كليل من التراث العربية والمشرقي، وسجرة مريم من التراث الروماني والأندلسي. إمالا واش تقولوله عندكم؟

21‏/7‏/2013

زنزلة توريلنا قاعدة صوتية

لماذا نقول "زنزلة" علمًا أن الأصل "زلزلة"؟

قارن الكلمات التالية الدارجة بأصولها الفصيحة:

  • سنسلة - سلسلة
  • صنصال - صلصال
  • جنجلان - جلجلان (سمسم)
نلاحظ أن هناك قاعدة: حيث تلتقي اللام باللام في كلمة واحدة، تصبح اللام الأولى نونا. لكن نجد أيضا:
  • فلفل - فلفل
  • حلحال (من أنواع الأعشاب الطبية)
  • بلبال (من أنواع الشجر في الصحراء)
  • ليل - ليل
بدلا أن نترك القاعدة، يمكن أن نحاول تصحيحها بإضافة شرط: أن الحرف الذي بينه اللامين ينتمي إلى الأصوات الصفيرية، وهي الأصوات المتشابهة س، ش، ص، والجيم إذا تنطق مثل j الفرنسية. الآن نلاحظ المفردات التالية:
  • بادنجال - باذنجان
  • فنجال - فنجان
  • فنيان - fainéant (كسول)
تسمحنا هذه المعطيات الإضافية أن نوسع القاعدة: ليس فقط إذا التقى لامان، بل حتّى إذا التقى نونان في نفس الظروف. ففي الأخير نقترح القاعدة الصوتية التالية:

بالدارجة، إذا التقى لامان أو نونان في كلمة واحدة وبينهما حرف صفيري، تصبح الأولى ن والثاني ل.

ولعل بعض اللهجات حافظت على الأصل، ولكن حيث وجدنا الصيغة المغيرة، وجدناها اتبعت هذه القاعدة.

10‏/7‏/2013

المعدنوس

يكثر استعمال "المعدنوس" (البقدونس) في أطباق هذا الشهر الكريم. لكن من أين هذه الكلمة التي لا يبدو شكلها عربي ولا تشبه الفرنسية والإنجليزية؟

أولا، إعلم أن كلمة "بقدونس" ليست فصحى أصلية وإنما هي تحريف انتشر في لهجات المشرق. فإذا بحثنا عنها في مكتبة الوراق لن نجدها إلا في أربعة كتب وأقدمها من القرن الرابع عشر. والكلمة الفصيحة الأصلية هي "مقدونس"، وهذا ما نجده في عشرة كتب بنفس الموقع، منها كتاب القانون في الطب لابن سينا في القرن الحادي عشر، حيث يصف دواءا لضعف المعدة وسوء الهضم قائلا: "...نعناع ثلاثة دراهم، مقدونس درهم ونصف، ورد أربعة دراهم..." وكما أصبحت "بقدونس" في بلدان المشرق، أصبحت "معدنوس" في بلدان المغرب .

وأما أصل كلمة "مقدونس" ليس من العربية، كما هو ظاهر من شكلها. ونجد أصلها في اليونانية من كلمة Μακεδόνες (مَكِدُونِس) ومعناه حرفيا "المقدونيون". وذلك لأن البقدونس كان ينبت كثيرا في بلاد مقدونيا شمال اليونان، كما ذكر عالم النباتات اليوناني ديسقوريدوس في القرن الأول بعد الميلاد حيث قال "πετροσέλινον... φύεται έν Μακεδονία έν ἀπόκρημνοις τόποις" (البقدونس ينبت في مقدونيا في المنحدرات).

ومن نفس الأصل اسم هذا النبات بالتركية وهو maydanoz. واشتهرت مقدونيا في وقت العثمانيين باختلاط الأجناس والشعوب من كل أنحاء الإمبراطورية العثمانية، ولذلك سمّى الفرنسيون مجازا سلطة مختلطة باسم macédoine.

2‏/7‏/2013

الهدور والتزواق في كليلة ودمنة

حين جلست أمس لأقرأ كتاب "كليلة ودمنة" لابن المقفع، لم أكن أتمنى أن أجد شيئا ينفعني في فهم أصول المفردات الدارجة، فالكاتب إيراني عاش في القرن الثاني الهجري. لكني فوجئت لما وجدت بين مفرداته العتيقة وعباراته الغريبة الجملة التالية: "والسكوت عند الملوك أحسن من الهَذَرِ الذي لا يُرجع منه إلى نفع." والهدور عندنا الكلام، لكن هذه الكلمة لم تكن أصلا لتعم على كل الكلام وإنما تعني كما جاء في لسان العرب "الكلام الذي لا يُعْبَأُ به" أي الذي بدون أهمية، وإذا هذر كلامُه "كثر في الخطإِ والباطل". ورغم تعميم المعنى فلا نزال نقول بالدارجة "راك تهدر برك"، بمعناه الأصلي.

يؤكد الكاتب أن كتابه فيه حكمة كبيرة لا يفهمها التائه فيقول: "وقد ينبغي للناظر في كتابنا هذا أن لا يجعل غايته التصفح لتزاويقه". ويخبرنا المحقق أن التزاويق هي النقوش والصور التي كانوا يزينون بها هذا الكتاب. وهي نفس كلمة "التزواق" المعروفة عندنا. ونجد تفسير أصلها في لسان العرب: "أهل المدينة يسمون الزِّئْبَق الزَّاووق، ويدخل الزِّئبَق في التصاوير، ولذلك قالوا لكل مُزَيَّنٍ مُزَوَّق". وزئبق وزاووق من كلمة "زِيوَگ" بالفارسية القديمة.

يقول أهل الصحراء الجرائري "زين" (طيب) و"شين" (سيّء). وأصل "زين" واضح لكل قارئ، ولكن ما كنت أتوقع أن أقرأ في كتاب كليلة ودمنة: "بصّرته ما فيه من الضرر والشيْن وما في تركه من النفع والزيْن".

كما أننا نجد في نفس الكتاب أصل كلمة "بزّاف" المذكورة سابقا: "كان له ملء بيت من الصندل فقال: إن بعته موزونا طال عليّ، فباعه جُزافا بأخسّ الأثمان."