2‏/7‏/2013

الهدور والتزواق في كليلة ودمنة

حين جلست أمس لأقرأ كتاب "كليلة ودمنة" لابن المقفع، لم أكن أتمنى أن أجد شيئا ينفعني في فهم أصول المفردات الدارجة، فالكاتب إيراني عاش في القرن الثاني الهجري. لكني فوجئت لما وجدت بين مفرداته العتيقة وعباراته الغريبة الجملة التالية: "والسكوت عند الملوك أحسن من الهَذَرِ الذي لا يُرجع منه إلى نفع." والهدور عندنا الكلام، لكن هذه الكلمة لم تكن أصلا لتعم على كل الكلام وإنما تعني كما جاء في لسان العرب "الكلام الذي لا يُعْبَأُ به" أي الذي بدون أهمية، وإذا هذر كلامُه "كثر في الخطإِ والباطل". ورغم تعميم المعنى فلا نزال نقول بالدارجة "راك تهدر برك"، بمعناه الأصلي.

يؤكد الكاتب أن كتابه فيه حكمة كبيرة لا يفهمها التائه فيقول: "وقد ينبغي للناظر في كتابنا هذا أن لا يجعل غايته التصفح لتزاويقه". ويخبرنا المحقق أن التزاويق هي النقوش والصور التي كانوا يزينون بها هذا الكتاب. وهي نفس كلمة "التزواق" المعروفة عندنا. ونجد تفسير أصلها في لسان العرب: "أهل المدينة يسمون الزِّئْبَق الزَّاووق، ويدخل الزِّئبَق في التصاوير، ولذلك قالوا لكل مُزَيَّنٍ مُزَوَّق". وزئبق وزاووق من كلمة "زِيوَگ" بالفارسية القديمة.

يقول أهل الصحراء الجرائري "زين" (طيب) و"شين" (سيّء). وأصل "زين" واضح لكل قارئ، ولكن ما كنت أتوقع أن أقرأ في كتاب كليلة ودمنة: "بصّرته ما فيه من الضرر والشيْن وما في تركه من النفع والزيْن".

كما أننا نجد في نفس الكتاب أصل كلمة "بزّاف" المذكورة سابقا: "كان له ملء بيت من الصندل فقال: إن بعته موزونا طال عليّ، فباعه جُزافا بأخسّ الأثمان."

هناك تعليق واحد:

ناجي شعبان يقول...

الهدْرة واحدة الهدْر، يُقال هدر البعير يهدِر هدْرا إذا صوّت في غير شِقْشِقة، وفي المثل : كالمُهَدِّر في العُنَّة . يُضرَبُ لمن يصيح وليس وراءَه شيءٌ قال الوليدُ بن عُقبَةَ يُخاطِبُ معاوية : قَطَعْتَ الدَّهرَ كالسَّدِمِ المُعنَّى ... تُهَدِّرُ في دمشقَ فما تَريمُ منَ المَجاز، ويُقال هدر الحمام كهدل. وهذه ليست من عربية الفتح بل أقدم من ذلك بكثير